انقضى الآن عامان، منذ أن وجهت أسوأ أزمة مالية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ضربة موجعة للاقتصاد العالمي. وخلال هذه المدة، عمل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بالتعاون مع صانعي السياسات في الداخل والخارج، على الاستجابة للأزمة من خلال اتباع إجراءات فعالة ومبتكرة للمساعدة على تحقيق استقرار الاقتصاد والنظام المالي. ومن بين الإجراءات التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي، إدخال تيسيرات دراماتيكية على السياسة النقدية من خلال تخفيض سعر الفائدة القصيرة الأجل لما يقرب من صفر، وشراء ما يقدر بتريليون دولار من سندات الخزانة والسندات العقارية المدعومة من قبل الحكومة، وهي الإجراءات التي ساعدات على تقليص معدلات الفائدة في الأجل الطويل، كما ساعدت أيضاً على إيقاف عملية السقوط الحر للاقتصاد، وهيئت المجال لمواصلة النمو الاقتصادي منذ منتصف عام 2009. على الرغم من التقدم الذي حدث، لم يكن مرضيا لـ"لجنة الأسواق الحرة الفيدرالية"، وهي اللجنة المنوط بها إعداد السياسات النقدية بالاحتياطي الفيدرالي، عندما اجتمعت الأسبوع الماضي لمراجعة ما تم اتخاذه من إجراءات وتدابير للتصدي للأزمة المالية. فالهدفان الرئيسيان للاحتياطي الفيدرالي، حسب التفويض الصادر من الكونجرس هما: السعي لتحقيق مستويات عالية من التوظيف، وإبقاء التضخم عند مستوى منخفض، وهما هدفان لم يتحققا للأسف، حيث لا يزال سوق الوظائف ضعيفاً جداً ونسبة البطالة على المستوى القومى عند مستوى 10 في المئة، وهو ما يشكل ضغطاً على ماليات الأسر، وزيادة حالات الحجز على المساكن المرهونة، وفقدان مهارات العمل بسبب طول مدة البطالة. حالياً، تقدر معظم الإحصاءات أن نسبة التضخم لا تزيد عن 2 في المئة، وهو أقل قليلاً من المعدل الذي يعتبره معظم صانعي السياسات"الأكثر اتساقاً مع النمو الاقتصادي الصحي في الأجل الطويل". وعلى الرغم من أن التضخم المنخفض يعد شيئاً جيداً بشكل عام، فإن انخفاضه بأكثر مما ينبغي يمكن أن يشكل خطراً على الاقتصاد، وخصوصاً عندما يكون هذا الاقتصاد في وضع صعب. وفي الحالات الأشد تطرفاً، فإن نسبة التضخم المنخفضة للغاية يمكن أن تتطور إلى انكماش(انخفاض الأسعار والأجور)، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى فترات طويلة من الركود الاقتصادي. ومع ارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض نسبة التضخم لحد كبير، فإن "لجنة الأسواق الحرة الفيدرالية"، توصلت خلال الاجتماع المشار إليه، أن الاقتصاد يحتاج إلى المزيد من الدعم، وأن أفضل طريقة لتقديم هذا الدعم هي شراء المزيد من السندات طويلة الأجل، وبناء عليه قررت شراء سندات خزينة طويلة الأجل بقيمة 600 مليار دولار خلال فترة تنتهي في منتصف عام 2011. إن إجراءً كهذا ساعد على تخفيف المشكلات المالية في الماضي، ويبدو أنه سيكون فعالًا إذا تم تطبيقه مجدداً: فأسعار الأسهم والسندات ارتفعت، كما أن معدلات الفائدة طويلة المدة انخفضت عندما بدأ المستثمرون يتوقعون أن الاحتياطي الفيدرالي سيتخذ هذا الإجراء. ومن المتوقع أن يؤدي تحسن، وتيسير الأحوال المادية، إلى دعم النمو الاقتصادي: فأسعار الرهن الأقل سوف تجعل المساكن أكثر توافراً وتشجع المزيد من ملاك العقارات على الحصول على قروض جديدة، ومعدلات السندات المؤسسية الأقل سوف تشجع على الاستثمار، كما أن أسعار السندات الأعلى سوف تعزز من ثروات المستهلكين، وتساعد على زيادة الثقة، التي يمكن أن تؤدي بدورها إلى تحفيز الإنفاق، الذي سيقود إلى زيادة الدخول والفوائد، وتعزيز التوسع الاقتصادي في المجالات الأخرى. وسيعمل الاحتياطي الفيدرالي على مراجعة سياسة شراء السندات الطويلة المدة بشكل منتظم، لضمان أنها تعمل كما هو مطلوب منها، ولتقييم ما إذا كانت الحاجة تدعو للمزيد من التعديلات مع تغير الظروف الاقتصادية. وعلى الرغم من أن اللجوء إلى شراء الأصول كأداة من أدوات السياسة المالية هو إجراء غير مألوف إلى حد ما إلا أن المخاوف المتعلقة باستخدام هذه الأداة مبالغ فيها. فالمنتقدون كانوا يخشون أن يؤدي استخدامها إلى زيادة مفرطة في توفير النقود، وهو ما قد يؤدي إلى الإفراط في الاستهلاك، ورفع نسبة التضخم بالتالي. ولكن استخداماتنا السابقة لهذه السياسة، لم يكن لها سوى تأثير قليل على كمية النقود المطروحة للتداول، أو على الإجراءات الأوسع نطاقا الخاصة بتوفير النقود مثل إيداعات البنوك على سبيل المثال لا الحصر، علاوة على أنها لم تؤد إلى زيادة نسبة التضخم. ما أريد التأكيد عليه هو أننا قد اتخذنا كافة التدابير الضرورية، وأننا واثقون من امتلاكنا للأدوات التي تساعدنا على إجراء التعديلات اللازمة على تلك السياسات في الوقت الملائم، وأن الاحتياطي الفيدرالي ملتزم بالمهمتين الملقاتين على عاتقه بموجب تفويض الكونجرس، وأنه سوف يتخذ جميع ما يلزم لإبقاء التضخم عن مستوى منخفض وثباته عند ذلك. لكن يجب التأكيد على أن الاحتياطي الفيدرالي ليس قادراً على حل كافة المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد بمفرده. فحل تلك المشكلات سوف يستغرق وقتاً، وسيتطلب تعاوناً من قبل أطراف عديدة بما في ذلك البنك المركزي، والكونجرس، والإدارة، والأجهزة التنظيمية، والقطاع الخاص. ويبقى بعد ذلك القول إن الاحتياطي الفيدرالي، لديه التزام خاص بالمساعدة على تخفيض نسبة البطالة وزيادة مستويات التشغيل، والمحافظة على استقرار الأسعار. ومن المأمول أن تؤدي الخطوات المتخذة هذا الأسبوع إلى تمكين مؤسستنا من الوفاء بهذا الالتزام. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"